يخلد بلدنا ومعه باقي دول العالم في 12 يونيو من كل سنة، اليوم العالمي لمكافحة تشغيل الأطفال، مند إقراره سنة 2002، و اتخذت منظمة العمل الدولية للاحتفال به هذه السنة شعار: “لنحمي الأطفال من عمل الأطفال، الآن قبل أي وقت”، ويعتبر هذا الموعد محطة سنوية أممية يتم فيها تسليط الضوء على مدى انتشار ظاهرة عمل الأطفال في العالم، وتعزيز الجهود للقضاء عليها .
ويعتبر بلدنا بفضل العناية الخاصة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله للنهوض بأوضاع الطفولة، من بين الدول الرائدة التي حققت نتائج جد ايجابية في مواجهة انتشار هذه الظاهرة ، توجت باختياره الى جانب اثنان وعشرون (22) دولة كبلد “رائد” في مجال محاربة تشغيل الأطفال .
و قد اتخذ المغرب عدة إجراءات في هذا الدرب إن على المستوى القانوني أو على المستوى المؤسساتي وحتى على مستوى التعاون الدولي من أجل الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال وما يرافقها من تداعيات سلبية على تكوين وصحة وسلامة الجيل الصاعد ورجال ونساء المستقبل.
وفي هذا الإطار وجبت الإشارة إلى أن نتائج البحث الوطني حول التشغيل لسنة 2018، قد أكدت بالملموس تسجيل انخفاض ملحوظ في العدد الإجمالي للأطفال في وضعية الشغل بنسبة 92 بالمائة مقارنة مع سنة 1999 التي بلغ العدد فيها 517.000 طفل أقل من 15 سنة، ليتقلص بعد ذلك إلى 41.200 طفل ينتمون لنفس الفئة العمرية، 37.039 منهم متواجدين بالعالم القروي و4.168 منهم بالوسط الحضري.
ويعزى هذا المنحى التنازلي لعدد الأطفال المشتغلين الى المجهودات التي قام بها المغرب في إطار التزاماته الدولية المترتبة عن مصادقته على الاتفاقية الأممية لحقوق الطفل سنة 1993، واتفاقيتي العمل الدوليتين رقم 138 بشأن السن الأدنى للاستخدام ورقم 182 حول القضاء على أسوأ أشكال تشغيل الأطفال على التوالي سنتي 2000 و2001.
وفي نفس السياق، عملت الحكومة، في إطار النهوض بأوضاع الطفولة، على تنفيذ البرنامج الوطني لحماية الطفولة “مغرب جدير بأطفاله” في الفترة من 2005 إلى 2015، و على وضع برنامج وطني تنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة للفترة 2016 -2020. هذه السياسة التي تم اعتمادها بتاريخ 3 يونيو 2015، تستهدف جميع الأطفال أقل من 18 سنة، وترتكز على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية من بينها إحداث أجهزة ترابية مندمجة لحماية الطفولة، ومنظومات للمعلومات ذات مصداقية وموحدة للتتبع والتقييم الفعلي و المنتظم.
واعتبارا لكون محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال تشكل انشغالا حقيقيا تتقاسمه الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين وباقي فعاليات المجتمع المدني، فمجهودات وزارة الشغل والادماج المهني تبذل بناء على استراتيجية قطاعية من أربعة محاور أساسية هي:
- تقوية الإطار القانوني لحماية الأطفال وتعزيز فعاليته : ويتجلى ذلك في المقتضيات والأحكام الحمائية التي يتضمنها القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل وكذا تلك المنصوص عليـها في القانون رقم 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين ونصوصه التطبيقية بما فيها المرسوم المحدد لكيفية استفادة هذه الفئة من العمال من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ومن أجل تنزيل هذا القانون ومواكبة دخوله حيز التنفيذ، فقد تم تكثيف التنسيق مع مصالح رئاسة النيابة العامة بهدف ضمان حسن تطبيق أحكامه، وتعزيز آليات التنسيق بين السادة قضاة النيابة العامة والسادة مفتشي الشغل، لتحقيق نتائج ذات الأثر الإيجابي على حماية حقوق العاملات والعمال المنزليين والحد من ظاهرة تشغيل القاصرات والقاصرين منهم؛
- تعزيز الاطار المؤسساتي : فمند سنوات تم تعيين 54 نقطة ارتكاز من بين مفتشي الشغل على الصعيد الجهوي والاقليمي مكلفين بملف محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال بهدف تقوية جهاز تفتيش الشغل بمتخصصين، وتجويد منهجية تدخلهم وكذا التركيز خلال زيارات التفتيش على مراقبة احترام تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالسن الأدنى للقبول في العمل وظروف العمل التي تأخذ بعين الاعتبار القدرة البدنية والجانب الصحي والنفسي والتربوي للأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و 18 سنة. كما تم إطلاق الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة بتعاون مع جميع المتدخلين المعنيين والذي اسندت له مهام ضمان ديمومة الاستقبال، والاستماع للأطفال، والمواكبة الطبية والنفسية والقانونية والاجتماعية، وتتبع وتقييم خدمات التكفل.
- تقوية الشراكة مع المجتمع المدني؛ من خلال دعم مشاريع الجمعيات العاملة في مجال محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال المتعاقدة مع وزارة الشغل والإدماج المهني، المنتقاة عبر طلب عروض مشاريع وفق مذكرة السيد الوزير الأول عدد 07/2003، بتاريخ 27 يونيو 2003، ومنشور السيد رئيس الحكومة رقم 04/2016 بتاريخ 11 مارس 2016 بشأن البوابة الالكترونية للتمويل العمومي للجمعيات.
وقد أفضت هذه الشراكة الى تحقيق حصيلة، برسم سنة 2018 ، تمثلت في سحب 162 طفلا من العمل أقل من 15 سنة، من بينهم 32 طفلة و 10 أطفال تم انتشالهم من العمل المنزلي، و632 طفلا وطفلة من الأشغال الخطرة تتراوح أعمارهم ما بين 16 و18 سنة، من بينهم 65 طفلة تم انتشالهن من الأشغال الخطرة بالعمل المنزلي.
- تطوير برامج التعاون الدولي : تم في اطار تحقيق الهدف 7 من أهداف التنمية المستدامة في أفق 2025، اختيار المغرب إلى جانب خمسة عشر (15) دولة من طرف التحالف الدولي كبلد “رائد” في مجال محاربة تشغيل الأطفال، وذلك من أجل الوقوف على الطرق والأساليب والبرامج المبتكرة التي ستمكن البلدان الأخرى من الاستفادة من تجاربه وتحقيق أقصى قدر من الفعالية بما يتناسب مع المواعيد الاستعجالية المحددة لإنجاز الهدف المذكور.
وفي السياق ذاته، سيتم تنظيم ورشة وطنية للتخطيط الاستراتيجي بحضور مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية ودولية وشركاء اجتماعيين وكذا جمعيات المجتمع المدني، وذلك بهدف تحديد إجراءات قابلة للقياس والموارد اللازمة، وكذا إعداد تقارير منتظمة حول المؤشرات الخاصة بأهداف التنمية المستدامة، هذا مع ضرورة تبادل المعلومات والممارسات الفضلى للوقوف على النتائج المحققة.